تعرف الجزائر بكثرة أوليائها
الصالحين وبانتشار الطرق الصوفية والزوايا في كل شبر منها، من شمالها إلى
جنوبها ومن شرقها إلى غربها، بشكل منح الأولياء الصالحين مكانة مميزة في
قلوب الجزائريين،ومن ابرز الإعلام وأشهرهم الولي الصالح والعالم الرباني
عبد الرحمان الثعالبي المشهور باسم حارس الجزائر العاصمة و كذلك الولي
الصالح سيدي معمر المشهور بطريقته وبعرفه في تيسير الزواج للمعوزين و
الفقراء بمدينة شرشال التي تبعد بـ 100 كلم غرب الجزائر العاصمة،لمعرفة
تفاصيل هذا العرف منذ الخطبة والى غاية تنتقل العروس إلى بيت زوجها،
بالإضافة إلى ما مدى تمسك سكان شرشال بهذا العرف في ظل التحولات العميقة
التي يشهدها المجتمع الجزائري.
الزواج في مدينة شرشال على طريقة سيدي معمّر مجانا ولا يكلف مثقال دينار،
المهم هو إكمال نصف الدين ووقاية المجتمع من الفساد الأخلاقي وصون تماسكه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الزواج في هذه المنطقة السياحية له قواعده وتقاليده المتوارثة منذ قرون
خلت، إلى درجة انه بات تقليدا معمولا وعرفا سائدا يمتد إلى ولايات أخرى
قريبة من مدينة شرشال كولاية الشلف مثلا (200 كلم غرب).
يوجد في شرشال العديد من الأولياء الصالحين ويمكن ان نذكر منهم سيدي
مروان، سيدي إبراهيم الغبريني وسيدي معمّر، ويعتبر هذا الأخير أشهرهم على
الإطلاق.
من الناحية التاريخية، جاء في الموسوعة الحرة شرشال مدينة فينيقية كانت
تسمى بـ»ايول« وازدهرت المدينة في عهد القرطاجيين. ويعتقد الكثير من
العلماء أن شرشال كانت مستعمرة مصرية في منتصف الألف الثانية ق.م (1500
ق.م) ربما قبل العهد الفينيقي بسبب اكتشاف تمثال مصري في شرشال عليه
خرطوشة الفرعون تحتمس الأول(1493-1482 ق.م) موجود في متحف المدينة وهو
تمثال منحوت من البازلت الأسود وجلسته جلسة الألوهية مصرية.
وخضعت المدينة لحكم سيفاكس ثم ماسينيسا فأصبحت واحدة من مدن النوميديين.
وبعد انتصار الرومان على مملكة نوميديا عام 105 ق.م في عام 40 ق.م استولى
عليها الرومان في عهد الملك يوبا الثاني أصبحت إيول عاصمة لموريتانيا
القيصرية، وتحول إسمها من إيول إلى قيصرية تكريما للامبراطور الروماني
أغسطس قيصر (31 ق.م-14م)، وقد جعل يوبا الثاني من عاصمته قيصرية مركزا
للثقافة اليونانية-الرومانية. و في عهد الإمبراطور الروماني كاليجولا فقدت
قيصرية إستقلالها و ألحقت بروما و كانت تسمى (كولونيا كلاوديا سيزاريا)
لكن قيصرية لم تفقد مركزها التجارية لأنها أصبحت عاصمة للولاية الرومانية
الجديدة، التي شملت ثلثي الشمال الجزائري.
في العام 372 ميلادية تعرضت شرشال لدمار شمال على يد الوندال، وخضعت بعدها
المدينة للبيزنطيين منذ عام534م هي وتيبازة المجاورة لها، فقد أعادوا لها
شيئا من أهميتها السابقة. و لكن بعد الفترة البيزنطية واصلت شرشال
انحطاطها إلى أن أختفت من الذاكرة. و قد أطلق عليها اسم شرشال في فترة
الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا. و حسب شهادات سكان المنطقة فان جنود الفتح
الإسلامي مروا من شرشال في طريقهم إلى الأندلس أيام القائدين العظيمين
عقبة بن نافع وطارق بن زياد رضي الله عنهما.
وظهر في منطقة شرشال بعض قادة حركة المقاومة الشعبية الجزائرية، مثل محمد
بن عيسى البركاني فقاتل وقتل في معركة "الزمالة" سنة 1834م، وموسى بن علي
بن حسين المصري الأصل والشهير بالدرقاوي أو »أبو حمار« نظرا لأنه كان يركب
حمارا وهو يتجول بين القبائل لحثها على الجهاد.
وتعرف شرشال، بالإضافة إلى ما سبق، بوليها الصالح سيدي معمّر بعرفه في
تسهيل وتيسير الزواج على المعوّزين من أبناء منطقة شرشال و تيبازة والشلف
ومدينة تنس، وبات منهج سيدي معمّر في الزواج ذائع الصيت وأشهر من نار على
علم.
مهر المرأة في عرف سيدي معمّر عبارة عن قطعة نقدية بقيمة عشرين سنتيم من
الدينارلا غير، هذا في الوقت الذي تشهد فيه مناطق أخرى من الجزائر غلاء
فاحشا في المهور جعل الشباب ينفرون من الزواج،.
وإذا كان التقليد المعمول به في اغلب مناطق الجزائر في مجال الزواج يقضي
بان يقدم الخطيب لخطيبته مجموعة من الهدايا في المناسبات الدينية
كالعيدين، المولد النبوي الشريف، عاشوراء، حيث يذهب رفقة أهله إلى بيت
خطيبته ويقدم لها تلك الهدايا، فان الأمر في عرف سيدي معمّر يختلف من حيث
ان الخطيب يشتري هدايا وحلويات لخطيبته غير انه لا يسلمها لها في
المناسبات والأعياد الدينية، فقط يرسلها إليها لتلقي عليها نظرة رفقة
أهلها، ثم تعيدها إليه ليحتفظ بها إلى غاية يوم الزفاف وترتدي العروس
ملابس خاصة بالزفاف كالملحفة المكونة من قطع من القماش مربوطة ببعضها
البعض ويشترط فيها ان تكون ذات لون احمر وابيض، كما يشترط أيضا ان تتولى
امرأة عجوز إلباسها للعروس.
ويقوم أهل العروس بإرسال العشاء وكمية من الدقيق وخروف أو كبش، وخضر وفواكه إلى أهل العريس، أي أربعة أيام من قبل.
ويوم الزفاف في عرف سيدي معمّر هو يوم الأربعاء حيث ترتدي العروس في هذا
اليوم قطعا من القماش ابيض واحمر غير مخيّط، تضم إلى بعضها البعض بخيط من
الصوف، كما يشترط أيضا ان يهدى هذا اللباس إلى العروس من قبل احد الأقارب
يشترط فيه ان يكون من أتباع طريقة سيدي معمّر.
أما الحزام الذي يشّد به على وسط المرأة يجب ان يسبّع سبع مرات حولها ،
كما يمنع على العروسة في هذا العرف ان تتجمّل أو ان تضع بعض المساحيق أو
شيئا من مواد التجميل، ويمنع عليها أيضا وضع خاتم أو الحلي والمجوهرات،
هذا من جهة. ومن جهة أخرى فان الملابس الزائدة من الإزار والملفوفة حول
صدرها بشكل يتشكل معه كيس توضع به كميات من الحلوى، التين، اللوز، حيث
تلقي بها العروسة إلى الحضور من الضيوف الذي ينتظرون خارج البيت الذين
يسارعون إلى التقاط هذه الحلوى بل ويتهافتون عليها بشكل مدهش وكأنهم
يرونها لأول مرة دون ان يجدوا لذلك تفسيرا.
وقبل ان تخرج العروسة من بيت أهلها يؤتى بجلد خروف يوضع على الأرض بشكل
مقلوب توضع فوقه قصعة (جفنة) ثم تجلس فوقها العروسة لكي تربط لها القواعد
من النساء الحناء في يديها ورجليها، كما يشترط ان تخرج من بيت أبيها إلى
بيت زوجها حافية القدمين و بالموازاة مع ذلك يتم إشعال الشموع..
والمثير في حفل الزفاف على طريقة سيدي معمر عكس ما هو به معمول اليوم في
مختلف أنحاء الجزائر حيث يتوجه موكب السيارات الفخمة ومن احدث طراز إلى
بيت العروس لأخذ العروس إلى بيت زوجها وسط زغاريد النسوة والأغاني وفرقة
الزرنة نسبة إلى آلة مصنوعة من جلد الماعز تعزف بها أشهر فرق الموسيقى
الفلكلورية في الجزائر بالإضافة إلى آلات التصوير وكاميرات الفيديو لتصوير
هذا اليوم المشهود في حياة كل رجل و امرأة، غير ان الأمر يختلف في عرف
سيدي معمّر إذ يشترط أن تخرج العروسة من بيت أهلها على ظهر فرس والناس من
ورائها يتبعونها، وعندما يأتي أهل العريس لمرافقة العروسة إلى بيت زوجها
لا يقدم لهم أي شيء من المشروبات والحلويات كما جرت عليه العادة في أنحاء
أخرى من الجزائر، كما لا يتبادل أهل العريسين الهدايا ولا الأكل في فترة
الخطوبة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وفي صبيحة العرس يؤتى إلى العروس برحى حيث تقوم برحى ما يعرف في الجزائر
بـ "الدشيشة" وهي عبارة عن قمح مطحون ثم تقوم بطبخها ليفطر عليها الجميع
في صبيحة العرس. و يجب أيضا ان تبقى العروس بلباس سيدي معمّر، أي اللباس
الأبيض و الأحمر، وبدون مساحيق أو تجميل ولا حلي أو مجوهرات. هذا بالإضافة
إلى أنها تقضي الليل في بيت حماها وهذا يوم الأربعاء، وتنام على الأرض .
. وإذا حدث
وتزوج رجل من أتباع طريقة سيدي معمّر مع امرأة من خارج الطريقة، في هذه
الحالة، فإنها وبمجرد أن تضع حناء في يديها ورجليها، فإنها تلتحق بهذه
الطريقة مباشرة وتصبح من أتباع سيدي معمّر.
كما يعدّ
الزواج على طريقة (سيدي معمّر) سهلا وميسّرا على الراغبين في إتمام نصف
دينهم من الشبان والشابات شريطة أن يتبعوا العرف الذي أسسه هذا الشيخ
والقائم على تيسير الزواج على الفقراء من امة محمد والابتعاد عن المغالاة
في المهور ومظاهر البذخ والترف والإسراف والتبذير، ويخص هذا النوع من
الزواج، المخالفين لطريقته والخارجين عن عرفه في الزواج بأشد العقوبات حسب
ما سمعناه من سكان شرشال من قصص لأزواج تزوجوا على هذا العرف لكنهم خالفوه
في بعض التفاصيل فتعرضوا لمشاكل مختلفة كان تصاب المرأة، مثلا، بالعقم أو
أنها لا تحمل إلا بعد مرور عدة سنوات على زواجها، وهناك من تلد مولودا
ميتا وتتكرر هذه الحالة عدة مرات.
وبحسب شهادات
سكان منطقة شرشال الساحلية، فإنّ الزوجة إذا ابتليت بهذا النوع من المشاكل
فإنها ستدرك، لا محالة، بأنها قد خالفت إحدى قواعد العرف. و في هذه الحالة
يشترط أن تعيد بعض الخطوات التي خالفتها، ويجب أن تعيد ارتداء لباس العروس
ذو اللون الأبيض والأحمر مثلما فعلت أول مرة ، ثم تضع الحناء في يديها
ورجليها وتخرج حافية القدمين من بين أهلها وكأنها تزف لأول مرة حتى تخرج
من هذا المأزق، ويعتقد السكان المحليون، أنّ كل امرأة اتبعت هذه الخطوات
حملت مباشرة وكللت ولادتها بالنجاح بإذن الواحد الأحد.