قَوْله : ( نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّص الْقَبْر وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَد عَلَيْهِ ) .
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( نَهَى عَنْ تَقْصِيص الْقُبُور ) . التَّقْصِيص - بِالْقَافِ وَصَادَيْنِ - هُوَ التَّجْصِيص . وَالْقَصَّة - بِفَتْحِ الْقَاف وَتَشْدِيد الصَّاد - هِيَ الْجِصّ , وَفِي هَذَا الْحَدِيث كَرَاهَة تَجْصِيص الْقَبْر وَالْبِنَاء عَلَيْهِ وَتَحْرِيم الْقُعُود , وَالْمُرَاد بِالْقُعُودِ الْجُلُوس عَلَيْهِ . هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَجُمْهُور الْعُلَمَاء , وَقَالَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ : الْمُرَاد بِالْقُعُودِ الْجُلُوس , وَمِمَّا يُوَضِّحهُ الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة بَعْد هَذَا : ( لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُور ) . وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( لَأَنْ يَجْلِس أَحَدكُمْ عَلَى جَمْرَة فَتَحْرِقُ ثِيَابه فَتَخْلُص إِلَى جِلْده خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِس عَلَى قَبْر ) قَالَ أَصْحَابنَا : تَجْصِيص الْقَبْر مَكْرُوه , وَالْقُعُود عَلَيْهِ حَرَام , وَكَذَا الِاسْتِنَاد إِلَيْهِ وَالِاتِّكَاء عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الْبِنَاء عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي مِلْك الْبَانِي فَمَكْرُوه , وَإِنْ كَانَ فِي مَقْبَرَة مُسَبَّلَة فَحَرَام . نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ وَالْأَصْحَاب . قَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْأُمّ : وَرَأَيْت الْأَئِمَّة بِمَكَّة يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا يُبْنَى , وَيُؤَيِّدُ الْهَدْمَ قَوْلُهُ : ( وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْته )