الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن دين الإسلام مبني على أصلين:
على أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيء، وعلى أن يعبد بما شرع على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذان هما حقيقة قولنا: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد ورسوله.
فالإله هو الذي تألهه القلوب محبة ورجاء وخشية وتعظيماً، وهو الذي يستحق أن يعبد جل وعلا.
وهذا هو التوحيد الذي جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب، فلا يعبد إلا الله ولا يدعى إلا الله، ولا ينذر إلا لله، ولا يستغاث بغير الله، ولا يركع ولا يسجد إلا له سبحانه وتعالى.
إذا علم هذا فالعبادة اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. فالصلاة عبادة، والدعاء عبادة، والحلف عبادة، والذبح عبادة وكذا الخوف والرجاء والتعظيم كل ذلك من العبادات.
بل إن الدعاء -ومنه الاستغاثة- يعتبر من أشرف العبادات، لاشتماله على الذل، والخضوع. روى أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدعاء هو العبادة"، وقرأ : ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ) إلى قوله: (داخرين) .
والدعاء هو طلب جلب النفع أودفع الضر، ومنه الاستغاثة، إذ هي طلب الغوث.
وقد دل القرآن والسنة والإجماع على تحريم دعاء غير الله، والتصريح بأن ذلك من الشرك الذي لا يغفره الله.
قال تعالى: ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) [الأحقاف: 5].
وقال تعالى: ( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذًا من الظالمين.) [ يونس:106 ]
وقال تعالى: ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ) [الأعراف: 37] وأخبر الله تعالى أن المشركين يدعون معه غيره في حال الرخاء، ويخلصون له الدعاء في حال الشدة فقال: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) [العنكبوت: 25].
وقال تعالى: ( ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون* ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ) [النحل: 53،54].
وقال تعالى: ( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما أنجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً ) [الإسراء: 67]
ومن ظن أن المشركين كانوا يجحدون الله أو كانوا يعتقدون النفع والضر في آلهتهم استقلالاً، أو لا يدعون الله ولا يعبدونه فقد قال قولاً معلوم البطلان من دين الإسلام، فإن الله تعالى أخبر عن حالهم ومرادهم فقال: ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) [يونس: 18] وقال تعالى: ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) [الزمر:3].
فعلم أن مرادهم وغايتهم التقرب إلى الله عن طريق الوسطاء والشفعاء مثل ما يفعل بعض جهلة المسلمين اليوم، فتراهم يدعون ويستغيثون وينذرون ويذبحون للأولياء، فإذا نصحهم الناصح وأنكر عليهم المنكر قالوا: إن هؤلاء شفعاؤنا عند الله !!
وقد أشار الإمام الرازي إلى وجود هذا التشابه بين الفريقين فقال في تفسير آية يونس السابقة: ورابعها أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله تعالى ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر، على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله. انتهى
وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) [يوسف: 106] قال عطاء: هذا في الدعاء، وذلك أن الكفار ينسون ربهم في الرخاء فإذا أصابهم البلاء أخلصوا في الدعاء ... وقيل: معناها أنهم يدعون الله أن ينجيهم من الهلكة، فإذا أنجاهم قال قائلهم: لولا فلان ما نجونا، ولولا الكلب لدخل علينا اللص… قلت: وقد يقع في هذا القول والذي قبله كثير من عوام المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. انتهى كلام القرطبي.
وروى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار."
وفي الإقناع وشرحه من كتب الحنابلة في باب المرتد : "أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم إجماعاً". أي كفر، لأن ذلك كفعل عابدي الأصنام قائلين: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . انتهى.
وقد نقل هذا الإجماع غير واحد، منهم صاحب الفروع، والإنصاف، وغاية المنتهى، وشرحه مطالب أولي النهى.
وقد صنف العلماء قديما وحديثاً في بيان الشرك وأنو اعه، وأن منه الاستغاثة بالأموات والطلب منهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات، فاحذر من الوقوع في شيء من ذلك، وقانا الله وإياك شر البدع والحادثات.
والله أعلم