المفتي: حسام الدين عفانه
الإجابة:
إن الناس قد ابتدعوا أموراً كثيرة مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بقراءة القرآن الكريم بشكل عام، وقراءة سورة الفاتحة بشكل خاص.
فترى وتسمع قارئ القرآن بعد أن ينهي قراءته، يقول: "الفاتحة"!! ونرى المدرس بعد أن ينهي درسه يقول الفاتحة!! وكذلك فإنهم يقرأون الفاتحة عند اتفاق الناس على أمر ما، مثل إقامة شركة بين اثنين مثلاً، فبعد الاتفاق يقولون: "الفاتحة"، وكذلك بعد إجراء مراسم الصلح يقولون: "الفاتحة"، وكذلك ما جاء في السؤال، فإنهم يقرأون الفاتحة بعد الاتفاق على التفاصيل المتعلقة بعقد النكاح، وغير ذلك من الحالات التي تقرأ فيها سورة الفاتحة.
وكل ذلك من الأمور المبتدعة في الدين التي ليس عليها دليل من الشرع، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك، ولا يجوز شرعاً لأحد أن يخص سورة الفاتحة أو آية من القرآن الكريم بالتلاوة قي وقت معين أو لغرض معين، إلا ما خصه الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ثبت في السنة من تخصيص قراءة سورة الفاتحة للرقية، وقراءة آية الكرسي عندما يريد الإنسان النوم حفظاً من الشيطان، وقراءة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} للرقية، فهذا وأمثاله جائز لثبوته عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأدلة صحيحة.
وأما تخصيص قراءة الفاتحة في الحالات الذي ذكرتها سابقاً فلا يجوز، لأنه أمر محدث، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (رواه البخاري ومسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" (رواه أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح)، وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور" (رواه أبو داود والترمذي، وقال حسن صحيح).
وقد شرع لنا النبي صلى الله عليه وسلم عند النكاح، خطبة النكاح، قال الإمام الترمذي: «باب ما جاء في خطبة النكاح»، ثم ذكر حديث ابن مسعود، الذي ذكره ابن القيم مضمونه في كلامه الآتي.
وقال العلامة ابن القيم: «فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في أذكار النكاح»،
ثم قال: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه علمهم خطبة الحاجة، وهي: "الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل، فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، ثم يقرأ الآيات الثلاث:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [سورة آل عمران /102]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [سورة النساء /1]،
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [سورة الأحزاب /72,71].
قال شعبة: "قلت لأبي إسحاق: هذه في خطبة النكاح أو في غيرها؟ قال: في كل حاجة" (زاد المعاد 2/454 - 455).
هذه هي السنة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلينا اتباعها، فإن الخير كل الخير في الاتباع، وإن الشر كل الشر في الابتداع.
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.