الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أهمية تدارس القرآن :
إن الله سبحانه وتعالى أنزل كتابه مباركاً ونوراً وهدىً وشفاء وموعظة، أنزله لنتدبر آياته، وتلاوة القرآن لها أجر عظيم، وتجويده له أجر عظيم، ولكن تدبره هو الوظيفة الأساسية من إنزاله، لماذا أنزل الله القرآن؟ ليدبروا آياته، والتلاوة تعين على التدبر، والتجويد ومعرفة الوقوف وحق الحروف كذلك، وأما التدبر فإنه إعمال العقل في معنى الآية، وهذا يزيد الإيمان ويدفع للعمل، ولذلك ذكر ربنا سبحانه وتعالى في كتابه أنه أنزله ليتدبروه، والتدبر قد يكون من الإنسان وحده، وقد يكون التدبر جماعياً، وهو عملية مدارسة القرآن التي ذكرها نبي الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)، والسكينة: هي الطمأنينة والوقار، والتدارس عبادة عظيمة نسيها أكثر الناس، اجتماعك بأهلك للمدارسة مع الزوجة والأولاد لمدارسة القرآن، اجتماعك مع أصحابك لمدارسة القرآن، مجالسنا كثيرة، مناسباتنا متعددة، اجتماعاتنا ذات عدد، لماذا لا تستثمر فرصة الاجتماع للتدارس ولو جزءاً من الوقت، هذه المدارسة قمتها أن تكون في المسجد عندما يقعد أهل الإيمان ويتنادون بقولهم: تعالوا نؤمن ساعة ويتدارسون كتاب الله فيما بينهم.
إن هذا التدارس شأنه عظيم وأجره كبير، وهذا التدارس هو القراءة بتمعن، معرفة المعنى، وإنزال المعنى على الواقع، هذه المدارسة العبادة العظيمة التي نكاد نفقدها اليوم، وأكثر ما يقوم الناس به تجاه القرآن تلاوة، لكن المدارسة قليل من يقوم بها، إنه يشملها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا القرآن)؛ لأن التعاهد مراجعة الحفظ والتلاوة نعم، ويدخل فيها أيضاً تعاهدوا اهتموا بالقرآن الاهتمام ومنه هذه المدارسة، هذه المدارسة التي جعلت الصحابة من قبلنا يحرصون عليها؛ لأنها تزيد الإيمان، وتربط بالرحمن وكل من فقه كتابه أكثر اقترب منه أكثر، وكل من فهم مراده أكثر أحبه الله أكثر، وهذه أهمية المدارسة، أهمية التدبر أن تقترب من ربك زيادة أن يحبك ربك زيادة، وكذلك فإن هذا التدبر يعين على الحفظ، يعين على رسوخ القرآن في النفس؛ لأنها إذا فهمت المعنى فإنه يصعب عليها بعد ذلك أن تنسى الآية، وأيضاً يحقق الترابط والتآلف؛ لأن التدارس اجتماع مؤمنين، حتى لو كنت مع أهلك من أجل تحقيقه، إنه يزكي النفس، ثم ماذا نريد أكثر من أن تتنزل علينا الرحمة والسكينة والملائكة وأن يذكرنا الله فيمن عنده، وكل هذا مقابل هذه العبادة التي يقوم بها من قام.
هدي النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة في التدارس
رمضان قادم نسأل الله أن يبلغناه، ومن السنن فيه كما جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقى جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن"، فكانت المدارسة بين الرسول الملكي والرسول البشري تتم ليلياً دليلاً على أهميتها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يسمع القرآن من غيره أحياناً
فكانت المدارسة بين الرسول الملكي والرسول البشري تتم ليلياً دليلاً على أهميتها، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يسمع القرآن من غيره أحياناً
كما أمر ابن مسعود أن يقرأ عليه ليكون ذلك عوناً على التدبر والتفكر وأن تكون مدارسة، كان الصحابة يجلسون في المسجد حلقاً يتدارسون القرآن، يتعلمون الفرائض والسنن، ويذكرون الله عز وجل، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم الإيمان مع تعليمه القرآن، كان الصحابة يجتمعون فتطرح قضية قرآنية، مثلاً أي آية في كتاب الله أرجى؟ هناك آيات تخيف وآيات فيها ذكر الرحمة تبعث على الرجاء، فمثلاً يقولون: أخوف آية في كتاب الله يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِسورة النساء123، ما هي أرجى آية حتى يعيش المسلم بين الخوف والرجاء، قال بعضهم: إن أرجى آية قول الله تعالى: حم *تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ *غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُسورة غافر1-3فقدم غفران الذنب على قبول التوبة، وقال آخر: إن أرجى آية هي قول الله: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَسورة الحجر49-50، فقدم المغفرة والرحمة على العذاب، وقال آخر: إن أرجى آية في كتاب الله قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُسورة الزمر53، وقال بعضهم: إن أرجى آية في كتاب الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍيعني بشرك، أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَسورة الأنعام82، وهكذا كانوا حتى في استقبال المسافرين، والتعامل معهم يحصل مناقشات ومدارسات للقرآن.
قال معمر: بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر به ركب فأرسل إليهم يسألهم من هم؟ من أنتم؟ قالوا: جئنا من الفج العميق، قال: أين تريدون؟ قالوا: نريد البيت العتيق، فقال عمر: إن لهؤلاء لنبأً، ما داموا بهذا الفقه وهذه الإجابات، جئنا من الفج العميق نريد البيت العتيق، فأمر رسوله أن يسألهم: أي آية في كتاب الله أحكم؟ قالوا: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُسورة الزلزلة7-8، قال: فأي آية أعدل؟ قالوا: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِسورة النحل90، قال: فأي آية أعظم؟ قالوا: اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُسورة البقرة255، قال: فأي آية أرجى؟ قالوا: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًاسورة الزمر53.
وعمر رضي الله عنه كان يدخل ابن عباس مع صغر سنه على الصحابة الكبار معه في المجلس، ويقول بعضهم: عندنا أولاد في مثل سنه، فلماذا يدخله علينا؟ حتى سألهم عمر يوماً ما تقولون في قول الله عز وجل: إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًاسورة النصر1-3، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وهذا ظاهر الآيات، هذا الكلام ليس فيه استنباط، هذا ظاهر السورة، وبعضهم سكت فلم يقل شيئاً، فقال عمر لابن عباس: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ قال: لا، قال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، فقال: إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًافذلك علامة أجلك ودنو موتك وقرب انتقالك فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًاسورة النصر1-3، قال عمر: لا أعلم منها إلا ما تعلم.فعلاً هكذا.
وكذلك في قوله تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَسورة البقرة266، فعمر يسأل ابن عباس عن هذه الآية فقال ابن عباس: ضربت مثلاً لعمل، فقال عمر: أي عمل؟ فقال ابن عباس: لعمل، فقال عمر: رجل غني يعمل الحسنات، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله. مثل نقرأه ولكن من الذي يعرف مدلول المثل، أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل جنة بستان عظيم ملتف الأشجار، وهذه الأشجار فيها بدائع، وروائع الثمار نخيل وأعناب، ليس عنب، أعناب؛ لأن العنب أنواع، وبالإضافة إلى ذلك له فيها من كل الثمرات، كم نفاسة هذا البستان عنده؟ ما قيمة هذه الجنة عنده؟ كبيرة جداً، لنفاسة ما فيها، هذه حاله المادية، ما هي حالة الاجتماعية، وأصابه الكبر دخل في الشيخوخة، الآن هو ضعيف عن العمل، فهذا البستان بالنسبة له تقريباً كل شيء في رزقه، مصدر المال، المعيشة، يعيش عليه، أصابه الكبر، ليس عنده قدرة الآن على أن يكتسب شيئاً جديداً، فهو محتاج إلى البستان جداً، وليس القضية هكذا فقط بل إنه كما قال الله: وله ذرية ضعفاء، عنده ذرية صغار، أو عجزة عن العمل لعاهة، أو مرض، وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء، فكم يكون في هذه الحالة حاجته إلى هذا البستان كم هي من أجله، ومن أجل أولاده كم هي، كل الأمل في البستان، الحاجة الماسة لهذا البستان، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، ما هي النتيجة؟ هذا المثل لماذا؟ من الذي قرأ هذه الآية وفكر فيها ونحن ربما نقرأ ختمات وربما لا نقرأ، ونقصر، نمر بالآية ما هو معناها؟ مثل ضربه الله لأي شيء؟ لشخص عمل بالحسنات وله أعمال طيبة كثيرة يوم القيامة هو بحاجة إليها ماسة جداً، ولكن جاءه الشيطان في قضية الرياء والعجب فصار يسمع ويتكلم ويغتر بما عمل، وهذه محبطات للأعمال، الرياء والعجب محبطات للأعمال، فصار على هذه الشاكلة، فماذا سيبقى له من الأجر؟ لا شيء، سيأتي يوم القيامة وهو محتاج جداً إلى الحسنات في تلك الأهوال، في المحشر، عند الميزان، إذا جاء الله لفصل القضاء، إذا وزعت الصحف وتطايرت، وأخذ كل كتابه، والنار أمامهم تتقد، لها شهيق يسمعونه وزفير، فكم تكون الحاجة إلى الحسنات؟ فلا يجد شيئاً، لماذا؟ أذهبه العجب والرياء والاغترار والمن، ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًىسورة البقرة262، وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُسورة النور39كم تكون المصيبة حينئذٍ؟ كيف يكون الألم النفسي حينئذٍ؟ إنه وقع الصاعقة، هذا المثل لكن من الذي يتدبر في هذا المثل.
مع من يكون التدارس؟
مع من نتدارس لاستخراج الكنوز القرآنية، ولذلك النصيحة أيها الأخوة أنه لا بد أن يكون لنا مجالس مدارسة، ولو مع الزوجة والأولاد، تؤخذ آيات، ولو آية يستعرض معناها من كتب المفسرين، ثم يبدأ التداول والنقاش في ظل هذه المعاني، ما ارتباط الآية بالواقع، ماذا نستفيد منها، ماذا يستنبط، ماذا يستخرج، ما علاقة هذا بهذا، وهكذا يدور العقل في معاني ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
غفلة الناس عن التدارس
قضية التدبر هذه والتفكر والمدارسة وإعمال العقل في معاني التنزيل لا تكون إلا بعد معرفة التفسير، لو أخذت لو التفسير الميسر، ليس غالب الناس طلبة علم يستطيعون قراءة الكتب المطولة، ولكن هنالك كتب مختصرة تبين على الأقل الكلمات الصعبة ما معناها، وكتب في التفسير تبين المعنى الإجمالي للآية، وهذه خطوة جيدة أن يعرف المسلم المعنى الإجمالي للآية وهذه المفردات التي تأتي أمامه ما معناها.
تسأل مسلماً ماذا تحفظ؟ قصار السور، ما معنى الصمد؟ لا أدري، ما معنى الفلق؟ لا أدري، ما هو الغاسق؟ لا أدري، ما معنى وقب؟ لا أدري، ما معنى لإيلاف؟ لا أدري، وهو ربما يقرأها خطأ لئلافِ وهي ياء لإيلاف،
تسأل مسلماً ماذا تحفظ؟ قصار السور، ما معنى الصمد؟ لا أدري، ما معنى الفلق؟ لا أدري، ما هو الغاسق؟ لا أدري، ما معنى وقب؟ لا أدري، ما معنى لإيلاف؟ لا أدري، وهو ربما يقرأها خطأ لئلافِ وهي ياء لإيلاف،
ما معنى لإيلاف؟ لا أدري، هذه إذا كانت في السور القصيرة وفيها كثير، ما معنى ضبحاً؟ لا أدري، فما بالك بالسور الطويلة، وهذا القرآن أهم شيء في حياتنا، هذه أهم رسالة، هذه أهم من رسالة الدكتوراه، هذا أهم من كل الشروحات، والكتلوجات، والأوراق، ومواقع الإنترنت، والجرائد، سبحان الله العظيم الناس العجب، يقرؤون الجرائد، ويقرؤون الكتب العامة، وكتب التسلية، والقصص، والروايات، وربما أصر على أن يفهم كتاب شرح الجهاز، ولكن الكتاب هذا الأصل، الكتاب العزيز المبارك القرآن شرفنا عزنا، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَسورة الزخرف44، عنه، عرفتم معناه؟ أنزلناه من أجلكم، تعلمتموه؟ ولذلك لا بد من إحياء مسألة التدبر والمدارسة؛ لأنها سنة مفقودة يا أيها المسلمون، إلا من رحم الله، قال عالم لطلابه: محبة الله فرض أم لا؟ قالوا: فرض، قال: ما الدليل من القرآن، فما أجاب أحد، ما استحضروا دليلاً يوجب، هناك آيات تصف يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُسورة المائدة54، تصف المؤمنين بالمحبة، ولكن أن محبة الله فرض فقال لهم: قول الله تعالى: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَسورة التوبة24، ثم قال: فتربصوا يعني تهديد، قال: إذن محبة الله فرض؛ لأنه لا يهدد على مستحب، لا يهدد على ترك مستحب، ولا على ترك مباح، لا يهدد إلا على ترك واجب، وهكذا كان السلف رحمهم الله إذا اجتمعوا، أحاديثهم، مداولاتهم كلها في هذا، أكثرها في هذا في القرآن، وكان إلى عهد قريب عند باب الفتح في الحرم المكي جلسة مدارسة، عشرات السنين فيها من الأكابر وطلبة العلم، هذه الحلقة تخصص للمدارسة، لست حلقة تجويد ولا حلقة إقراء، ولا حلقة تحفيظ، حلقة مدارسة.
الدعوة إلى هذا الموضوع، وإطلاق المبادرات حتى على الشبكة الإلكترونية في إنشاء مجالس مدارسة إلكترونية يتم فيها جمع عدد من الإخوان، حتى من البعد، ليكون موضوعها مدارسة القرآن، هات آية، اعرضوا معانيها من كلام المفسرين، ثم يبدأ التداول في المعنى؛ وظلال المعنى وامتدادات المعنى وأمثلة المعنى والتطبيق على الواقع.
فوائد التدارس
كان علماؤنا وسلفنا يحرصون على ذلك، حتى كان الواحد منهم لا يخرج بعد صلاة العصر حتى يجلس مع صاحب له في المسجد يتدارس معه ولو آية،
كان علماؤنا وسلفنا يحرصون على ذلك، حتى كان الواحد منهم لا يخرج بعد صلاة العصر حتى يجلس مع صاحب له في المسجد يتدارس معه ولو آية،
وبعض مشايخنا كان يرتب أياماً معينة، كل أسبوعين مرة للذكور وكل أسبوعين مرة للإناث، وهو كبير العائلة، يأتي الأولاد والأحفاد، الذكور في يوم، والإناث في يوم، الموضوع مدارسة القرآن ولو آية؛ لأننا سنسأل عنه يا عباد الله سنسأل عن هذا الكتاب، وهناك آيات تحل إشكالات كثيرة إذا فهمت، تعطي تحصينات قوية ضد شبهات مطروحة في الأجواء اليوم، هناك آيات تثبت الإنسان أمام المواقف الصعبة، الناس يتعرضون للحرام والشهوات، لكن لو تدبر قول الله تعالى: وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَسورة يوسف23، لو تفكر الواحد وجلس في ظلال هذه الكلمات، وأحياناً جملة من آية تكفي تغطي كل الجلسة، يوسف كان شاباً، وكان عزباً، وكان يدخل، ويخرج بلا ريبة؛ لأنه خادم في القصر، وكان عبداً عليه الطاعة لسيده، وكانت المرأة جميلة، وكانت صاحبة منصب، وكانت سيدته، وغلقت الأبواب وغاب الرقيب، والزوج قليل الغيرة؛ لأنه قال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَاسورة يوسف29، ولم يفصلهما بعد الحادثة، والذهن يمر ويجول في الآية ليقول يوسف: معاذ الله ألتجئ إلى الله ما الكلمة التي يقولها الشاب إذا عرضت عليه فتاة الحرام، أو وقع في موقف مثل هذا في سيارة، في سوق، في شقة، في مكان، ماذا يقول؟ أو عرض عليه إلكترونياً، أو هاتفياً، أو في رسالة جوال ماذا يقول؟ ثم يفضل يوسف السجن، أنا أفضل السجن عليها، وهكذا، ولما تتأمل وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّسورة الأحزاب33حل مشكلات النساء الآن على ضوء الآية؛ لأن القرار في البيت الاستقرار، يعني أكثر الوقت في البيت، وقرن ما قال: اجلسن، قرن، القر في المكان ملازمة المكان، ستحل لك إشكالات كثيرة في ضمن الدعوات التي تخرج اليوم في موضوع تحرير المرأة من الشريعة، ومن الأحكام، (أُذن لكن أن تخرجن لحاجتكن)، إذن لا بد أن تكون هناك حاجة، وعلاقة الآية بالحديث، وكيف يفسر الحديث الآية، ارتباطات بين الآيات، تحل لك مشكلة الربا في النسب القليلة، قال الله عز وجل: وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَاسورة البقرة278يعني ولو نسبة نص في المائة، آيات لو تدبرها الإنسان يجد تحل مشكلات عالمية، ومحلية، واجتماعية، ونفسية، كله في هذا القرآن، لكن أين التدبر والتفكر والمدارسة.
1 - رواه مسلم2699.
2 - رواه البخاري5033 ومسلم791.
3 - رواه البخاري6.
4 - رواه البخاري3627.
5 - رواه البخاري4795.
خطبة للشيخ محمد بن صالح المنجد حفظه الله
رابط المحاضره
http://almunajjid.com/khotab/4123